مجلد 48 عدد 187 (2022)

					معاينة مجلد 48 عدد 187 (2022)

     من الملاحظات الشائعة التي نرصدها في الأوراق المرسلة إلى مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، ضعف الأسلوب العلمي في الكتابة، وركاكة بعض العبارات والفقرات، والعجز في التعبير اللغوي السليم عن الفكرة التي تدور في ذهن المؤلف، واستخدام كلمات عامية أحياناً، وتقديم مصطلحات جامدة غير مألوفة دون توضيح لمعناها، والافتقار إلى المهارة في استخدام علامات الترقيم في موقعها السليم. وهذا ما لمسته أيضاً من قطاع عريض من طلاب الدراسات العليا عند فحص أطروحاتهم الجامعية؛ مما دفعني إلى تأليف كتابي "الكتابة العلمية للرسائل الجامعية"، محاولاً تصحيح المفاهيم، والتذكير بأسس الكتابة العلمية وفنياتها. ولعل من المفيد هنا اقتباس بعض مما كتبته -بتصرف- مما يفيد الباحث الطموح.

     فالكتابة العلمية "أحد أنواع الكتابة، بأسلوبها اللغوي المميز، الذي تستمد مادته من المعارف العلمية، ولها نسقٌ وبناءٌ يميزها عن الكتابة الأدبية، ولها أيضاً ألفاظ ومفردات وتراكيب لغوية خاصة بها". وأسلوب الكتابة العلمية هو الأسلوب المعتمد في الكتابة للمجلات العلمية، كما "أن جمهور القراء الذين كُتب لأجلهم النص العلمي هم مجتمع العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات وطلابها". وتعد الورقة العلمية المرسلة للمجلة "وثيقة رسمية، ومدونة علمية، تحتوي على إجابات لمشكلة ذات أهمية لمجتمعها".

     وتنسب الكتابة العلمية إلى العلم الذي تستقي منه الكتابة موضوعها، "وهي وسيلة العالم والباحث في توصيل معلومته بدقة للآخرين. أما جمهورها؛ فهو ضيق يقتصر على فئة العلماء والباحثين وطلاب العلم، وليس عامة الناس. والكتابة العلمية مجالها العقل، لا القلب، فلا مكان للعاطفة والانفعال، وتتبنى التفكير الناقد والمنطقي، وتكتب بموضوعية خالية من التحيز، كما تكثر فيها النظريات، والمفاهيم، ولغة الأرقام، والإحصاءات. وهي تخلو من الجماليات اللغوية والمحسنات البلاغية والأجراس الموسيقية التي تعتمدها الكتابة الأدبية؛ كالسجع والجناس، والألفاظ المجازية. أما هدفها؛ فهو إحداث إضافة جديدة في العلم، من خلال الإثبات، أو التدعيم، أو الدحض أو التشكيك، وغرضها التفسير أو الإقناع أو التبرير. وهي تتطلب الدقة في التعبير؛ لذا تستخدم لغة واضحة ومباشرة، وتتجنب الغموض الذي قد يكون من خصائص الكتابة الأدبية، وتستخدم مفردات ومصطلحات خاصة متعارفاً على معناها في الحقل العلمي".

     ويشترط في الورقة العلمية "الجدة والأصالة؛ بأن تقدم موضوعاً جديداً في بابه، أو في بعض أجزائه، كأن تكون المشكلة جديدة وذات أهمية، أو سبق تناولها لكنها تقدم هنا بمنهجية جديدة". "والجدة والأصالة تسهمان في إحداث تغيير - ولو جزئياً- في المعرفة السائدة في الحقل العلمي الذي تنتمي له مشكلة الدراسة، ويمكن أن يتم ذلك بإضافة نتائج غير مسبوقة، ربما شككت في صحة نظرية سائدة، أو دعمت فروض نظرية قائمة، أو غيرت من نظرتنا لمشكلة ذات أهمية، أو أتت بحلول أكثر فاعلية للمشكلة، أو اختبرت صدق نموذج مفاهيمي قائم، أو قدمت نموذجاً جديداً، أو خرجت بتوصيات عملية لمتخذ القرار تشتمل على جوانب تطبيقية مهمة".

     ومما يعين الباحث على الكتابة: وضع خطة بحثية معقولة تساعده على التنبؤ بالاحتياجات والعقبات المستقبلية، وإلمامه بنسق الكتابة وفق نظام APA، أو أي نظام معتمد، وفهمه للطرق الإحصائية المناسبة لطبيعة بحثه، إن كان من البحوث الكمية، ومعرفته بمناهج البحث، وإتقانه الكتابة المباشرة على برامج تحرير النصوص، ومهارة البحث في قواعد البيانات، وإتقان اللغة الإنجليزية، باعتبارها مفتاحاً للوصول إلى المعرفة عالمياً. ومهارة الكتابة العلمية لا تتأتى إلا باستمرار المحاولات، والتعلم من الأخطاء، والاستفادة من ملاحظات المحكمين، ومداومة القراءة للعلماء في المجال.

     وقد يطرح البعض سؤالاً مستحقاً، وهو هل نطلق على ما يكتب للنشر العلمي "كتابة علمية" أو "كتابة أكاديمية"؟ "إن مصطلح أكاديمي يمكن أن يطلق على أي تخصص معرفي يُدرّس أو يمارس في إحدى المؤسسات العلمية؛ كالجامعات أو المعاهد البحثية ونحوها، سواء كان تخصصاً إنسانياً؛ كاللغات والفنون، أم اجتماعياً؛ كالاجتماع وعلم النفس، أم علمياً؛ كالفيزياء والكيمياء. أما مصطلح "علمي"؛ فيقتصر عادة على تلك المعاهد التي تعالج بحوثاً علمية بحتة، وعلى تلك التخصصات التي تدرس في كليات العلوم الطبيعية والطب والهندسة". وشخصياً لا أجد حرجاً من استخدام أي من المصطلحين، لا مشاحة في الاصطلاح.

 

أ. د. عثـمان حمود الخضر رئيس تحرير المجلة السابق
القائم بأعمال نائب مدير الجامعة للأبحاث
ومدير مجلس النشر العلمي
منشور: 2022

علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية

اللغة العربية وآدابها