جدلية الموت والحياة في شعر أحمد العاصي.

الملخص

تكشف هذه الدراسة عن صفحة تكاد تكون مجهولة في تاريخ الشعر العربي المعاصر، تتعلق بالشاعر المصري أحمد العاصي (1903 -1930)، الذي أقدم على الانتحار بإضرام النار في نفسه، وهو لا يزال في العام السابع والعشرين من عمره. ترك "العاصي" لنا مجموعة شعرية وحيدة تحت عنوان "ديوان العاصي"، قام بنفسه على طباعتها ونشرها، ووعد القراء بظهور الجزء الثاني منه قريباً. ومع أن الشاعر كان موضع الإعجاب من الدوائر الأدبية، حتى إن الشاعر المصري الكبير "أحمد شوقي" قدم لديوان العاصي بأبيات يبشر فيها بميلاد شاعر واعد سيكون له شأن في عالم الأدب - فقد كانت حياته القصيرة ونهايته الفاجعة سبباً في غيابه من ذاكرة النقد والنقاد. اعتمدت الدراسة منهجية تحليلية أمكن بها من خلال القراءة الفاحصة إيراد الجوانب المختلفة في التجربة الحياتية والإبداعية للشاعر. وقد تبين أن العلاقة الجَدْلِيّة بين الحياة والموت كانت هي "التيمة" المحورية التي استولت على اهتمام الشاعر وشعره. وقد بدأت الدراسة بسيرة حياة مختصرة للشاعر، ثم عالجت عدداً من العتبات - بمصطلح الناقد الفرنسي جيرار جينيت؛ (Seuils or paratext) - النصية للديوان، وهي: صفحة العنوان، وأبيات شوقي في تقريظ الديوان، وبنية الديوان كما صممها بنفسه، ثم عمله الروائي الوحيد "غادة لبنان"؛ بوصفه عتبة خارجية مهمة. وقد أظهر التحليل أن لشخصية شوقي وشعره المسرحي تأثيراً ظاهراً في حياة العاصي وشعره؛ إذ ربطت الدراسة بين عدد من مشاهد مسرحية شوقي "مصرع كليوباترا" والنهاية الفاجعة للشاعر، حيث بحث الشاعر والملكة كلاهما عن الخلاص بالموت. كذلك توقفت الدراسة بالتحليل المفصل عند القصيدة الأخيرة " قصة الموت"؛ بوصفها أوضح قصائد الديوان تعبيراً، وأدقها تصويراً لرؤية الشاعر للعلاقة الجَدْلِيَّة بين الحياة والموت. وقد انتهت الدراسة بتشخيص لتجربة العاصي على أنها تجربة فذة ومتفردة، وأنها إضافة مهمة إلى ديوان الشعر العربي المعاصر. وجدير بالذكر أن ثمة حالات أخرى مشابهة لحالة أحمد العاصي في الأدبين العربي والعالمي؛ ومن ثم توصي الدراسة بمزيد من البحث لظاهرة انتحار الشعراء، ولاسيما من حيث العلاقة بين الظاهرة والإبداع الشعري.