عن المجلة

الإعلانات

العدد الحالي

مجلد 52 عدد 1 (2024): مجلة العلوم الاجتماعية
					معاينة مجلد 52 عدد 1 (2024): مجلة العلوم الاجتماعية

أعزائي القراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

تحية طيبة، وبعد ..

في هذا العدد من مجلة العلوم الاجتماعية، نولي اهتماماً خاصاً للذكاء الاصطناعي كموضوع محوري للنقاش؛ نظراً لتأثيره المتعدد الأبعاد في المجالات الاجتماعية والأكاديمية. يُشكل هذا الابتكار التكنولوجي الذي حظي باهتمام عالمي، مصدراً لكل من الإمكانات الواعدة والتحديات المهمّة التي تستدعي التحليل العميق والدراسة المستفيضة.

يتيح الذكاء الاصطناعي؛ بفضل قدراته الاستثنائية في تحليل البيانات واكتشاف الأنماط، إمكانات لا مثيل لها للباحثين لفهم التفاعلات الاجتماعية والثقافية بصورة أعمق. ومع ذلك، تظهر مع هذه التكنولوجيا تحدّيات كبيرة؛ كالتأثير على الخصوصية، وإمكانية خلق تحيزات جديدة، فضلاً عن المخاطر المتعلقة بالانتهاكات الأكاديمية.

تتجسد التحديات التي تواجه الباحثين في عصر الذكاء الاصطناعي في مجالات؛ مثل التمييز في التوظيف؛ إذ قد تستخدم المؤسسات هذه الأنظمة بناءً على بيانات تاريخية مشوهة وغير دقيقة. على سبيل المثال، من المحتمل أن يؤدي الاعتماد على بيانات تظهر تفضيلاً لتوظيف الذكور في مواقع العمل التقنية، إلى تقليل فرص توظيف الإناث، أو قد يعكس النظام تفضيلات دينية موجودة في البيانات التاريخية؛ مما يؤدي إلى تمييز ضد المتقدمين من ديانات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التحيز في البيانات إلى تشكيل نتائج متحيزة من الذكاء الاصطناعي تؤثر سلباً على بعض الفئات؛ فمثلاً، قد تنتج نظم الذكاء الاصطناعي نتائج تميز ضد متقدمين من أعراق معينة إذا كانت البيانات التاريخية تحمل تحيزات عرقية، أو قد تفضل المتقدمين من التخصصات العلمية على حساب التخصصات الأدبية إذا كانت البيانات تعكس هذا التفضيل. ولا ننسى أيضاً الاستغلال المحتمل للذّكاء الاصطناعي في الأنشطة الإجرامية؛ مثل الاحتيال عبر الإنترنت وسرقة البيانات.

فيما يتعلق بالبحث العلمي والنزاهة الأكاديمية، يطرح الذكاء الاصطناعي عدة تحديات مهمّة. أولاً، هناك خطر الانتهاكات الأكاديمية؛ مثل السرقة الأدبية؛ حيث يمكن للأدوات المتقدمة للذكاء الاصطناعي أن تسهل نسخ المحتوى العلمي وتوزيعه، دون اعتبار لحقوق الملكية الفكرية. ثانياً، قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل الإبداع الفردي والتحليل النقدي؛ إذ يعتمد الباحثون بشكل مفرط على الأنظمة الآلية في تحليل البيانات وصياغة النتائج؛ مما يؤدي إلى نقص في التفكير النقدي والتحليل العميق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في إنتاج أبحاث تعتمد على بيانات غير دقيقة أو مضللة؛ مما يؤدي إلى نتائج بحثية قد تكون خاطئة أو متحيزة.

ومع ذلك، يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً كبيرة لتعزيز البحث العلمي، خاصة في مجالات العلوم الاجتماعية، من خلال تحليل البيانات الضخمة والمعقدة. في مجال الخدمة الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات مفصلة حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية؛ مما يساعد الاختصاصيين الاجتماعيين على تطوير برامج علاجية تستهدف الأطفال المعرضين للخطر أو جماعات معينة في حاجة إلى الدعم. وفي مجال الأنثروبولوجيا، قد يسهم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الثقافية والاجتماعية بطرق مبتكرة؛ إذ يمكن استخدام تقنيات التعلم العميق لتحليل اللغات واللهجات المختلفة؛ مما يساعد في فهم التغيرات اللغوية والثقافية عبر الزمن. كما يمكنه مساعدة الأنثروبولوجيين في تحليل الأنماط السلوكية والاجتماعية؛ مما يوفر رؤى جديدة حول كيفية تفاعل الأفراد والجماعات داخل ثقافاتهم. وفي مجال الجغرافيا، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الجغرافية والبيئية بدقة عالية؛ مما يساعد على دراسة التغيرات المناخية وأثرها في النظم البيئية والتوزيع السكاني. على سبيل المثال، باستخدام تحليل البيانات الفضائية ومراقبة الأرض، يمكن للباحثين تحديد مناطق الخطر البيئي والتنبؤ بالأحداث المناخية الشديدة؛ مما يساعد على تطوير التخطيط الحضري وإدارة الموارد.

ولتسليط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي في المجالات الاجتماعية، نقترح مواضيع بحثية تشمل دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات الاجتماعية وتشكيل الشبكات الاجتماعية، وتحليل كيفية استخدامه في تقديم الخدمات الاجتماعية وتأثيره على الفعالية والنزاهة، واستكشاف تأثيره على التغيرات الديموغرافية والتحولات السكانية، وتقييم دوره في المشاركة السياسية وتأثيره على العمليات الانتخابية، ودراسة تأثيره على إدارة المعلومات والمكتبات وتأثيراته في مجال الأخبار والإعلام والاتصالات. في هذا الإطار، تُعد مناقشتنا حول الذكاء الاصطناعي في هذا العدد دعوة للبحوث الأكاديمية التي تستكشف بعمق تأثيراته المتنوعة وتقدم فهماً شاملاً لتداعياته الاجتماعية. ونسعى في الأعداد القادمة للتركيز على هذه التداعيات والحاجة الماسة إلى تطوير آليات تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، وضمان مساهمته الإيجابية في المجتمع.

في الختام، نؤكد اهتمامنا البالغ بتلقي الدراسات التي تركز على الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية، ونتطلع لنشر الأعمال التي تعمق فهمنا لتأثيراته الاجتماعية وتسهم في تطوير المجتمع العلمي والأكاديمي. دعونا نعمل معاً لاستشراف مستقبل العلوم الاجتماعية في عصر التقدم التكنولوجي، مقدمين كل ما هو جديد ومفيد للعالم.

هذا، وبالله التوفيق..
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أ.د. هيفاء يوسف الكندري
القائم بأعمال رئيس تحرير مجلة العلوم الاجتماعية

منشور: 2024
معاينة جميع الأعداد