تمثيلات التّابع والردّ بالكتابة - قراءةٌ بلاغيّةٌ في الرسالة الهاشميّة لابن المقفّع.

الملخص

تهدفُ هذه الدراسة إلى تقديم قراءة بلاغيّة فاحصة في (الرسالة الهاشميّة) لابن المقفّع بوصفها خطابًا إصلاحيًّا ينتهج موقفين: ظاهرًا يهدف إلى إصلاح السّلطة، وباطنًا يسعى إلى مُقاومة نظام سلطة الخلافة وتقويضها. والرسالة الهاشمية، بهذا المعنى، خطابٌ حمّالُ أنظمةٍ تتوسّلُ بالامتثال إلى السلطة تارةً، وتستبطن مراوغة السلطة ونقدها تارة، وتصرّح بمجابهة السلطة تارة أُخرى.

          ويحضر صوت التابع ابن المقفّع عارمًا بالإرادة والقيم والفضائل التي تجسد Ethos الذات الساعية إلى ممارسة تأثيراتٍ جوهريّة في المُخاطَب عبر سلسلة من الدلالات والتلفّظات التي تعزّز موقع المتكلم المعرفيّ. وقد عمدت الدراسة إلى تحقيق نصّ (الرسالة الهاشميّة) والكشف عن سياقاتٍ تتصل بموقع الكاتب، والصلات الخاصّة بالنصّ ومؤسسة الكتابة والموقف من الخلافة والسّلطة تمهيدًا للشروع في القراءة التحليلية.

          وقد انتفعت هذه الدراسة، في منهجها النقديّ، بدراسات التابع التي نشأت في سياق دراسات ما بعد الاستعمار. وأما محور الدراسة التطبيقيّ فقد تأسس على رصد ثلاثة تصورات مركزيّة في الرسالة الهاشميّة، وهي: إيتوس التابع المُذعن والأنين الأبديّ، وإيتوس التابع المراوغ وسياسات التقويض، وإيتوس التابع الثائر وعنف السلطة.

          وتوصلت الدراسة إلى أنّ ابن المقفّع قد صدر، في رسالته، عن استراتيجيات خطابية متنوعة هدفت إلى نقد خطاب عنف السلطة الذي انتهجته الخلافة العباسية في تسيير شؤون الدولة، كاشفًا عن مرتكزات هذا الخطاب وأدواته في إنجاز أفعال الهيمنة، وتحليل مسوّغاته التي أسفرت عنها الانتهاكاتُ التي استندت إلى شرعية الخلافة وعصمة الإمام الذي تحالف مع أعوان الشرّ وبوأهم سلطةً مكّنتهم من ممارسة الفساد، وترويع المجتمع، وتكديس الثروات، وملاحقة الخصوم، وإشاعة الأراجيف، ونشر ثقافة الخوف والرعب في صفوف المسلمين، وتعزيز الانقسامات في أوساط الاثنيات.