التفاعل بين السارد والفضاء في يوميات رشيد يحياوي.

الملخص

تتلخص أطروحة هذه الدراسة في مقاربة البعد التفاعلي بين السارد المُتماهِي مع مرويه والفضاءين المصري (القاهرة) والمغربي، وذلك في يوميات رشيد يحياوي "القاهرة الأخرى"، الصادرة عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة سنة 1997 و"القاهرة كما عشتها" عن دار التوحيدي بالرباط سنة 2016. لقد ارتحل السارد رشيد من مدينة بنسليمان المغربية سنة أربع وثمانين وتسع مائة وألف إلى القاهرة لاستكمال دراساته العليا في جامعة عين شمس، فاستغل فرصة مقامه هناك لتوثيق تجربته الدراسية والشخصية، ورصد مظاهر إعجابه بالمعالم الحضارية والثقافية والاجتماعية المصرية، وميله الوجداني إلى الربوع المغربية حيث تفتحت عيناه على الحياة. ونظراً لانعدام الدراسات النقدية المعرِّفة بالكتاب، والكاشفة عن قيمته العلمية، والمحددة لموقعه داخل دائرة جنس اليوميات، فقد جاءت الدراسة متسائلة عن تصور يحياوي لهذا الجنس الأدبي، وتمثله للحدود الفاصلة بينه وبين غيره من الأجناس، وعلاقة الذات السردية بالفضاء. هكذا قمنا بتبيان مكامن الحضور المكاني في وجدان الكاتب، والاشتغال الواعي به وفق مقتضيات المنهج الوصفي المعضود بالتحليل البنيوي والنفسي، مثلما تبينّا مظاهر التقاطبات المكانية وصور تداخلها، وأوجه تشغيل الذاكرة في تصريف مشاعر الاغتراب والحنين إلى الأهل والوطن. ومن جملة ما خلصنا إليه من استنتاجات، أن هذه اليوميات حاملة لتصور جديد لكتابة الذات وفق هذا الجنس الأدبي، الجدير بالاهتمام به إبداعياً ونقدياً في زمن طفت فيه المبادرات الفردية والكتابات الشخصية إلى السطح، وتلاحقت الأحداث والمستجدات اليومية المرهقة للذاكرة. وهو ما يدعو إلى كتابة اليوميات لا في صورتها النمطية التوثيقية التقليدية، بل في صورتها الجديدة التي رام يحياوي ترسيخها، لما استثمر الذاكرة المعززة بالتخييل، واستثمر السمات النوعية لفن الرحلة والسيرة الذاتية والرواية، ونظم معارفه ومشاهداته ومواقفه الكثيفة في نسق سردي جدير بالقراءة العابرة والمساءلة النقدية الواعية. ولا غرابة في ذلك إن كان ناقداً ذا دراية عميقة بالحركة التاريخية للأجناس الأدبية، وحدودها النوعية، ومنطقها التطوري. أملنا أن تكون هذه الدراسة مفتاحاً لدراسات أخرى تسلط الضوء على قضايا الكتابين وإشكالاتهما المتشعبة، وتوازن بين ملامح صورة القاهرة في هذه اليوميات وفي غيرها من الكتابات الدائرة على هذه المدينة العريقة.