مساكن المهاجرين في المدينة عقب الهجرة النبوية دراسة في أولى الأزمات الإسكانية عند المسلمين.

الملخص

تُعدُّ مُشكلة إسكان المُهاجرين الأولين إلى المدينة أول مشكلة من نوعها في تاريخ الإسلام. ويُمكن القول إن هذه المُشكلة مُثلّثة الأضلاع! فأحدُ أضلاعها أو بُعدها الأول يتمثل في كيفية استيعاب أولئك المهاجرين والنظر في تدبير مساكن لهم فوْرَ وصولهم إلى المدينة، بينما يتمثل البُعد الثاني من المشكلة في محاولة تجميع ذوي القربى في مسكنٍ واحدٍ ما أمكن، أما البُعد الثالث منها فهو في كيفية مراعاة التمييز بين إسكان العُزّاب من المهاجرين وإسكان الأُسَر المُهاجرة. ومن هنا؛ فإن البحث يهدف إلى رصد هذه المُشكلة الاجتماعية/ الاقتصادية المُبكرة في تاريخ الإسلام، كما يهدف إلى استكشاف مظاهرها، ومتابعة مراحل تطورها، ثم أساليب معالجتها. جرى تقسيم الدراسة على مباحث ستة؛ هي: مساكن المدينة؛ فمكوّنات البيت، ثم إسكان الأفراد، ومُدّة الإقامة في قباء، ثم رصد موجات جديدة من المُهاجرين الأفراد، وأخيراً إسكان الأسر، وتتلوها خاتمة الدراسة. وقد اعتمدنا فيها على المنهج التاريخي القائم على استخلاص المادة العلمية من المصادر ذات العلاقة، ونقدها، وتحليلها، ومقارنة بعضها ببعض حتى تستوي الدراسة قائمة على أصولها العلمية والمنهجية المُتعارف عليها. أوضحت الدراسة أن المرحلة الأولى من إسكان المهاجرين كانت في قباء؛ حيث جرى توزيع المهاجرين في مساكن مُعيّنة من دور بني عمرو بن عوف، وتبيّن أن إجراءات الإسكان فَصَلتْ بين العُزاب من المهاجرين بين الأسر المهاجرة، كما اعتنتْ بتجميع ذوي القربى من المهاجرين في مسكنٍ واحد. أما المرحلة الثانية في إسكان المهاجرين؛ فقد جاءت بعد تحوّلهم ـ أو معظمهم ـ من قباء إلى المدينة النبوية، فكان توزيع المهاجرين على بيوتات الأنصار بـ "الاقتراع"، وهو أحد الإجراءات الإضافية، بينما كانت "المؤاخاة " بين المهاجرين والأنصار واحداً من الحلول المُهمة في عملية إسكان المهاجرين. أما إسكان الموجات اللاحقة من المهاجرين في "الصُفّة"؛ فهي على ما يبدو من الحلول الأخيرة في هذا الموضوع، وقد انتقل بعدها المهاجرون إلى التوسعة على أنفسهم بعد أن أغناهم الله من فضله. أوصت الدراسة بتكثيف البحوث في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي وقعت في عصر النبوة، والاستفادة من قيم الإيثار، والتسامح، والتعاون في حلّ مثل هذه المشكلات.